فضل تاج الذكر
يقول الرسول صلّ الله عليه وسلم في فضل تاج الذكر : ( من قال : لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في اليوم مئة مرة، كانت له عدل عشر رقابٍ، يعني: يُعتقها، وكتب الله له مئة حسنة، ومحا عنه مئة سيئة، وكان في حرزٍ من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجلٌ عمل أكثر من عمله).
جاء في السنن الكبرى للنسائي : (ومن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، لم يجئ يوم القيامة أحد بعمل أفضل من عمله، إلا من قال مثل قوله أو زاد عليه)، وينبغي على المسلم أن يواظب على تأدية الصلاة، والزكاة، وإخراج الصدقات، وتلاوة القرآن الكريم، وغيرها من الطاعات، فالذكر وحده لا يُغني عن باقي الطاعات.
يقول النووي في شرحه لهذا الحديث : (هذا فيه دليل على أنه لو قال هذا التهليل أكثر من مائة مرة في اليوم كان له هذا الأجر المذكور في الحديث على المائة، ويكون له ثواب آخر على الزيادة وليس هذا من الحدود التي نهي عن اعتدائها ومجاوزة أعدادها، وإن زيادتها لا فضل فيها أو تبطلها كالزيادة في عدد الطهارة وعدد ركعات الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد الزيادة من أعمال الخير لا من نفس التهليل، ويحتمل أن يكون المراد مطلق الزيادة، سواء كانت من التهليل أو من غيره، أو منه ومن غيره، وهذا الاحتمال أظهر، والله أعلم).
قصص تاج الذكر
ما من شئ منجي للإنسان من الوقوع في المهالك أكثر من ذكر الله، يقول نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم : (آمركم أن تذكروا الله تعالى)، وقال : (ما عمل أدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل)، وقال : (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة)، وقال تعالى في كتابه العزيز : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً).
كان الصحابة رضوان الله عليهم يأكلون القليل، ويتحملون من المشقة، والجوع، والحرمان ما لا يستطيع أحد على تحمله في هذا الزمان، ورغم ذلك كانت لهم ذاكرة ممتازة، وقوة إرادة عظيمة، وهذا أثر الذكر، والإيمان، يقول ابن القيم في (الوابل الصيب) : (الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه، وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابه أمراً عجيباً، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمراً عظيماً، وقد علم النبي صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته فاطمة وعلياً رضي الله عنهما أن يسبحا كل ليلة إذا أخذوا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين، ويحمدا ثلاثاً وثلاثين، ويكبرا أربعاً وثلاثين، لما سألته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة، فعلمها ذلك وقال: (إنه خير لكما من خادم)، فقيل : إن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنية عن خادم).
ذكر ابن عباس في فضل الذكر : إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القبر والقلب، ووهنًا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق).
أفضل أوقات الذكر
أفضل أوقات الذكر في الثلث الأخير من الليل، فهو وقت النزول الإلهي.
قال عمر بن عبسة : قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممكن يذكر الله في تلك الساعة فكن)، رواه الترمذي، وصححه الألباني.
الذكر مستحب في كل الأوقات، يقول تعالى في كتابه العزيز : (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ)، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : (كان النبي صلّ الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه)، ومن أحب الذكر إلى رسول الله، ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : (لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس).
عجائب لا إله إلا الله وحده لا شريك له
قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : (من قال قبل أن ينصرف ويثني رجليه من صلاة المغرب، والصبح : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب الله له بكل واحدة عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات، وكانت له حرزا من كل مكروه وحرزا من الشيطان الرجيم، ولم يحل لذنب أن يدركه إلا الشرك، وكان من أفضل الناس عملًا، إلا رجلا يفضله بقوله أفضل مما قال).
قل (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شئ قدير)، تكن من أفضل الناس عملًا يوم لا ظل إلا ظله، والأولى إكمال الملائكة مرة كل يوم، والأفضل أن تقال أول النهار، مع المواظبة على العشر التي تقال بعد الفجر، والمغرب، والمواظبة أولى من جمعها، فإن فرقتها تجوز، وقال النووي رحمه الله في شرحه : (وظاهر إطلاق الحديث أنه يحصل هذا الأجر المذكور في هذا الحديث من قال هذا التهليل مائة مرة في يومه، سواء قاله متوالية أو متفرقة، في مجالس، أو بعضها أول النهار، وبعضها آخره، لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار ليكون حرزًا له في جميع نهاره).
الذكر وسائر الأعمال
يتسائل الناس عن أي الأعمال أفضل، ويقيمون المقارنات بين الذكر، وسائر الأعمال الصالحة، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمي، كما في مجموع الفتاوى عن أفضل الأعمال بعد الفرائض فقال : (إنه يختلف باختلاف الناس فيما يقدرون عليه، وما يناسب أوقاتهم، فلا يمكن فيه جواب جامع، مفصل لكل أحد، لكن مما هو كالإجماع بين العلماء بالله وأمره، أن ملازمة ذكر الله دائمًا هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة، ثم يعلم أن كل ما تكلم به اللسان، وتصوره القلب مما يقرب إلى الله من تعلم علم، وتعليمه، وأمر بمعروف ونهي عن منكر فهو من ذكر الله، ولهذا من اشتغل بطلب العلم النافع بعد أداء الفرائض، أو جلس مجلسًا يتفقه، أو يفقه فيه الفقه الذي سماه الله ورسوله فقهًا، فهذا أيضًا من أفضل ذكر الله، وعلى ذلك إذا تدبرت، لم تجد بين الأولين في كلماتهم في أفضل الأعمال كبير اختلاف).